الميراث بين الجاهلية والإسلام - هل كانت المرأة ترث في الجاهلية؟
الميراث عند العرب
قبل الاسلام
وبعد عصر الرسالة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد: فحديثنا اليوم عن الميراث بين الجاهلية والإسلام، وهل كانت المرأة ترث في الجاهلية؟ وكيف كانت تُوزع التركة قبل الإسلام؟
ما هو مفهوم الميراث؟
فلما كان الموت هو النهاية اليقينية لكل حي والمصير المحتوم لكل مخلوق، كان من الضروري معرفة ما يؤول إليه أمر تركة الميت، وما يجب أن يُفعل بأمواله وممتلكاته من بعده، إذا لا يُعقل أن تظل هذه الأموال مكنوزة مهملة دون أن ينتفع بها أحد بعد أن مات صاحبها وتركها. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، والعلم مرفوع، ويوشك أن يختلف اثنان فلا يجدان أحدا يخبرها". رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي.
ولقد اهتم الإسلام منذ أن عم بنوره جوانب الكون قضايا التركة والميراث اهتماما فاق كل حد، ووضح القرآن الكريم أحكام الميراث بصورة مفصلة، ثم تأتي السُنة النبوية من بعده شارحة ومفسرة ومكملة لهذه الأحكام، وبلغ من عناية الإسلام بالميراث أن جعل العلم به يعادل نصف العلم نظرا لأهميته وحاجة كل الناس إليه.
البداية في علم الميراث إنسان يموت، والنهاية فيه استقرار تركة الميت في أيدي مستحقيها من الورثة، وبين هذه البداية وتلك النهاية مجموعة من المسائل والأحكام التي يتولى هذا العلم بيانها والإفصاح عن مضمونها ومحتواها، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والتركة هي محل الميراث، ولا ميراث بدون تركة، وبها يتعلق حق الورثة (ورثة المتوفى) ودائنيه، بل وحق المتوفى نفسه في أن يُجهز ويُدفن وتُنفذ منها وصاياه. وإذا كان من المعروف أن أقارب المتوفى هم الذين يرثونه، فإنه من المؤكد أنهم ليسوا جميعا على درجة واحدة في الاستحقاق من تركته، فمنهم من يكون أعلى نصيبا من الآخر، ومنهم من يكون نصيبه مقدار محددا من قِبل الشارع، ومنهم من يرث دائما دون أن يحجبه أحد حجب حرمان ومنهم من يرث في حالة ويُحجب في أخرى وهكذا ...
كيف كان الإرث في الجاهلية؟
كيف كان نظام الإرث في الجاهلية؟
العرب قبل الإسلام كانوا يعتمدون في قسمة ميراثهم على النظام القبلي والأعراف والتقاليد التي نشؤوا عليها وورثوها عن آبائهم وأجدادهم كما هو شأنهم في معتقداتهم وعبادتهم وسائر شئون حياتهم. فنظام الإرث عند العرب في الجاهلية كان نابعا من أسلوب حياتهم المليئة بالحروب، فجعلوا استحقاق الإرث مشروطا بالذكورة والقدرة على حمل السلاح والدفاع والنصرة، ولذا كان الإرث عندهم ينحصر في ثلاثة أسباب هي: الإرث بالنسب، والإرث بالتبني، والإرث بالحلف.
الإرث بالنسب
وكان قاصرا على الرجال البالغين فقط ولذا حرموا الأطفال والنساء والضعفاء من الميراث، فالرجل منهم يرثه ابنه البالغ وإلا فأخوه أو عمه أو ابن عمه! وعلى هذا الإعتقاد الخاطئ حرموا المرأة من الميراث بسبب الخوف من أن المال سيذهب لمن ستتزوجه تلك البنت فحرموها من الميراث ومن سائر الحقوق المالية كالمهر والوصية، كما حُرمت أيضا بسبب عجزها عن المشاركة في الحروب والدفاع عن الأهل والعشيرة كما هو حال الرجل.
فالمرأة في الجاهلية كانت موروثة لا وارثة! والوارث هو من يحمل السلاح، ويركب الخيل، ويغتنم الغنائم وكانوا يقولون: (لا يعطى المال إلا من قاتل على ظهر الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة).
الإرث بالتبني
من عادات العرب في الجاهلية أنه إذا أُعجب الرجل منهم بفتى من الفتيان فإنه يتبناه فيصبح حاملا لاسمه، وتنقطع صلته بأبيه الحقيقي، بل وجعلوا المتبني بمنزلة الابن الصلبي تماما حيث قد يُحرم الابن الصلبي من الإرث إذا كان دون البلوغ ولا يُحرم المتبني إذا كان بالغا كما تُحرم زوجته على من تبناه.
الإرث بالحلف أو ولاء الموالاة
كان العرب في الجاهلية يعتبرون الحلف سببا من أسباب الميراث. والحلف هو: عقد مناصرة بين رجلين بالغين على أن يأخذ كل منهما بدم صاحبه إذا قُتل، وعنه يعقل إذا جنى (أي يدفع عنه الدية لأهل القتيل) ويرثه إذا مات.
صيغة العقد المناصرة
وكانت صيغة هذا العقد أن يقول أحدهما للآخر : "دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وارثك" فإذا قبل الطرف الآخر ذلك تم العقد . وهكذا نجد مجتمعا يُجار فيه على الصغار والضعاف والنساء ويحرمهم من الميراث.
تشريع الإرث في الإسلام
ما المقصود بالإرث أو التركة؟
التركة لها مدلول خاص يحدد المقصود منها وتشمل مجموع ما يؤول إلى الورثة عن مورثهم . أي أن التركة هي كل ما يتركه المتوفى من أموال وحقوق غير شخصية أو شخصية تمثل في النهاية مجموع تركة المتوفى في نظر جمهور الفقهاء.
جاء الإسلام فأبطل كل نظم الإرث الفاسدة عند العرب في الجاهلية، فأبطل الإرث بالتبني والإرث بالحلف، وأبطل حرمان النساء والأطفال وقرر لكل منهما نصيبا في التركة، وحدد أنصباء الورثة الشرعيين تحديدا قاطعا. ولم تشأ الشريعة الإسلامية أن تلزم العرب بهذا النظام دفعة واحدة، وإنما سلكت فيه مسلك التدرج في التشريع حتى يألفه الناس شيئا فشيئا.
التدرج في تشريع الميراث
التدرج في الأحكام هو منهج الإسلام في كثير من تشريعاته، ويتجلى ذلك بصورة واضحة في الميراث فيما يلي: جاء الإسلام ووجد العرب يتوارثون بنظام خالٍ من العدل والإنصاف فتركهم أول الأمر على ما هو عليه من أنظمة، ووجه عنايته لإصلاح العقيدة وتهذيب النفوس حتى إذا ما حلت عقيدة التوحيد محل الشرك والوثنية وصلحت النفوس وتخلصت من رواسب الجاهلية التفت إلى التشريعات العملية.
والجدير بالذكر أن حينما هاجر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار وترتبت على هذه المؤخاة أنه كان إذا مات أحد من المهاجرين ولم يكن معه في دار الهجرة قريب ورثة أخوه الأنصاري، حيث كان قرابة الهجرة والمؤخاة حينئذ أقوى من قرابة النسب. وقد استمر التوارث بالهجرة والمؤخاة إلى أن زال سببه حيث كثر المسلمون وقويت شوكتهم وتم فتح مكة، فنسخ وجوب الهجرة إلى المدينة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح ".
وقوله سبحانه وتعالى: " وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. أقر الإسلام الإرث بالحلف أولا ثم نسخ بعد ذلك بآيات المواريث، كما أقر الإرث بالقرابة ولكنه وسع دائرته لتشمل الأولاد كبيرا وصغيرا، ذكرا وأنثى من حيث الاستحقاق، وأشرك معهم أقارب الميت الذين يتصلون به بنسب قريب وجعل الزوجة سببا من أسباب الميراث. كما أوجب الإسلام على كل من ملك مالا أن يوصي لوالديه وأقاربه بشيئ من المال، مع ترك الحرية له في تحديد القدر الموصى به، ولا يجوز التبديل والتغيير في الوصية إلا بقصد الإصلاح ورفع الظلم، فنظام الميراث في الإسلام يتجه إلى توزيع الثروة دون تجميعها.
مزايا نظام الميراث في الإسلام
ما هي مزايا نظام الميراث في الإسلام؟
- أن الله سبحانه وتعالى هو الذي تولى بيان المستحقين لتركة المتوفى.
- أن الإسلام عمل على حفظ حق الورثة فلم يسمح لصاحب المال أن يتصرف فيه بالوصية إلا في حدود الثلث، وألا تكون في معصية أو مضار للورثة .
- الإرث في الإسلام إجباري بالنسبة للمورث والوارث، فليس للمورث أن يحرم أحد ورثته من ميراثه، وليس للوارث أن يرد ميراثه من المتوفى.


ليست هناك تعليقات
عزيزي الزائر .... إذا أعجبك الموضوع لا تبخل علينا بمشاركته عبر أزرار المشاركة الموجودة بالأسفل، ولا تنس أن تترك لنا تعليقا لتبين لنا انطباعك عن الموضوع ومدى استفادتك منه.