احدث المواضيع

آخر الأخبار

الهجرة النبوية الشريفة: بداية عصر جديد للأمة الإسلامية

من مكة إلى المدينة رحلة الإيمان والتضحية


الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونعوذ بالله تعالى في شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاةً تُنير بها قلوبنا بنور المعرفة، وتُزكّي بها أرواحنا بطهارة اليقين، وتُشرِق بها أنوار الهداية في حياتنا، وتُصلِح بها أحوالنا في الدنيا والآخرة، وتُفرِّج بها كروبنا وتُيسِّر عسيرنا، وتُعِيننا بها على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، وتَجعلها لنا نورًا يوم القيامة، واجعله شفيعًا لنا، وارزقنا لِقاءه في الفردوس الأعلى، آمين يا رب العالمين أما بعد.


أيها الإخوة الكرام في هذا المقال سنتناول الحديث عن الهجرة النبوية الشريفة من ناحية الأسباب والدوافع التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يترك وطنه مكة ويهاجر إلى يثرب (المدينة المنورة)، قائلاً وهو ينظر إلى مكة مودعا إياها: «ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ» أو كما قال صلى الله عليه وسلم، كما سنوضح آثار الهجرة في انتشار الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية وكيف أصبح الإسلام دينًا عالميًا بفضل التواصل مع الشعوب الأخرى عبر التجارة والدعوة السلمية أحيانًا والحروب الدفاعية أحيانًا أخرى.


الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة

الهجرة النبوية الشريفة لم تكن مجرد انتقال مكاني، بل كانت نقلة حضارية في تاريخ الإسلام، حيث حولت الدعوة من مرحلة الدعوة السرية والضعف في مكة إلى مرحلة الدولة والقوة في المدينة، مما ساهم في انتشار الإسلام سريعًا في القرون التالية، ولا يخفى على أحد المشقة التي تحملها النبي صلى الله عليه وسلم في انتقاله من مكة إلى المدينة فالمسافة بين مكة والمدينة قرابة ٤١٠ كيلو متر، يعني لوكان تنقل بسيارة وكانت  السرعة ٨٠ كم/ ساعة (لأن الطريق غير ممهد) بشكل متواصل لوصل في وقت يقدر بـ ٥ ساعات تقريبا، لك أن تتخيل اخي المسلم نصف هذه المسافة قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً على الإبل و نصفها ماشياً على قدميه لمدة ثمانية أيام برفقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جو حار جداً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد بقدر حبك فيه.



كم كان عمر الرسول يوم أن هاجر؟

الهجرة النبوية الشريفة كانت حدثًا مفصليًا في تاريخ الإسلام، حيث هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة في عام ٦٢٢م، في السنة الثالثة عشرة بعد بعثته، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة صلى الله عليه وسلم، وهو العام الذي أصبح بداية التقويم الهجري.



ما هي أسباب الهجرة النبوية؟

قبل الهجرة، كان المسلمون مضطهدين في مكة ويتعرضون لشتى أنواع الظلم و التعذيب من قِبَل قريش، خاصة بعد وفاة أبي طالب (عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، حيث زادت حدة العداء، ووصل الأمر إلى مؤامرة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث اتفقت قريش على اختيار رجل من كل قبيلة لضربه ضربة رجل واحد ويتفرق دمه بين القبائل، مما جعل الهجرة خيارًا ضروريًا لإنقاذ الدعوة، والبحث عن بيئة آمنة للبدء في تأسيس الدولة الإسلامية.

فلم تكن مكة توفر الحماية الكافية لنشر الإسلام، بينما وجد المسلمون في يثرب (المدينة المنورة) أرضًا خصبة بعد بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث بايع أهلها النبي صلى الله عليه وسلم على نصرته وحمايته.

كما أن الهجرة لم تكن فرارًا بل انتقالًا استراتيجيًا لبناء أول مجتمع إسلامي مستقل، حيث أسس النبي صلى الله عليه وسلم دولة تحكم بالشريعة، وتكون قاعدة لنشر الإسلام.



لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق دون غيره رفيقا في الهجرة؟

يظهر هذا الاختيار حكمة الله سبحانه وتعالى في توافق شخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ظروف الهجرة لذلك، كان أبو بكر رضي الله عنه الاختيار الأمثل الذي جمع بين الصفات الإيمانية والإنسانية، ليكون شاهدًا على بداية تأسيس الدولة الإسلامية، لقد كان صلى الله عليه وسلم يمكنه أن يختار عمر الفاروق أو حمزة العم رضي الله عنهما ليحمياه لو تعرض له أحد المشركين، وهما المعروفان بالقوة والمنعة. 

ولقد كان يمكنه أن يختار عليا رضي الله عنه، ابن عمه الشاب الفتي الشجاع القوي، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل، لماذا الصديق إذن؟ هل لأنه السابق للإسلام؟ قد يكون، ولكنه ليس سببا كافيا، لقد اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه رفيقًا في الهجرة لعدة أسباب وحِكَمٍ عظيمة، منها:


الثقة والإخلاص

كان أبو بكر رضي الله عنه أصدق الصحابة إيمانًا وأكثرهم إخلاصًا للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى لُقِّبَ بـ"الصديق" لتصديقه النبي في كل شيء، بما في ذلك حادثة الإسراء والمعراج، فكان اختياره ضمانًا للأمانة والوفاء في رحلة الهجرة الخطيرة.


الحكمة والرزانة

تميز أبو بكر رضي الله عنه بالحكمة والهدوء في المواقف الصعبة، مما جعله شريكًا مثاليًا في رحلة مليئة بالتحديات، فقد جهز نفسه للهجرة بكل تفاصيلها، مثل اختيار الدليل (عبدالله بن أريقط) وتأمين المؤن.

ما هو دور أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها في الهجرة النبوية؟


الأولوية في الصحبة والاستعداد النفسي

 طلب سيدنا أبو بكر رضي الله عنه مرافقته في الهجرة قبل أن يطلبها النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على استعداده التام بالتضحية، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من آمن من الرجال، وأول من دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أمام المشركين، كما كان وجوده دعما معنويا للنبي صلى الله عليه وسلم في لحظات الخطر، فكان اختياره تكريمًا لهذه المكانة، وإشارة إلى فضله كـ"ثاني اثنين" في الغار كما ذكر القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم 

{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} (التوبة: ٤٠).



دور أسماء بنت أبي بكر في الهجرة

لعبت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها دورًا حيويًا وأساسيًا في نجاح هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبيها ابي بكر إلى المدينة، حتى لُقبت بــ "ذات النطاقين" بسبب موقفها الشهير في الهجرة النبوية، فكانت أسماء رضي الله عنها تُجهز الطعام والماء للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أثناء اختبائهما في غار ثور قبل الانطلاق إلى المدينة، كما تُعد من أوائل المهاجرات، وكانت مثالًا للمرأة المسلمة الشجاعة والمضحية.


لماذا سميت أسماء بنت أبي بكر بذات النطاقين؟

عندما أراد أبو بكر رضي الله عنه حمل الطعام والماء إلى الغار، لم يجد ما يربط به السقاء (القربة) والزاد، فشقت أسماء نطاقها (حزامها) إلى نصفين:

أحدهما لربط الطعام.

والآخر لربط الماء.

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "إن الله قد أبدلكِ بنطاقكِ هذا نطاقين في الجنة"، فسُميت بـ"ذات النطاقين" تكريمًا لها.



الهجرة سبب في انتشار الإسلام

تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة

كانت الهجرة نقطة تحول كبيرة في نشر الإسلام وأداة ساهمت في توسعه خارج الجزيرة العربية، حيث أسس النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة نواة أول دولة إسلامية ذات سيادة، جعلت من الإسلام دينًا عالميًا منتشرًا في قارات العالم، فمن المدينة، بدأ المسلمون في تنظيم الجيوش وإبرام المعاهدات، مما مهد لاحقًا للفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة، فبعد استقرار المسلمين في المدينة، بدأت حروب دفاعية مثل غزوتي بدر وأحد وتحولت إلى فتوحات، كذلك الأنظمة التي طبقت في المدينة (مثل العدل الاجتماعي، المساواة، حقوق الأقليات) جعلت غير المسلمين ينجذبون للإسلام، الدبلوماسية التي اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم مع الملوك بإرسال رسائل إلى حكام الدول المجاورة كهرقل ملك الروم، وكسرى بفارس، والنجاشي ملك الحبشة، يدعوهم للإسلام لتوسيع نطاق الدعوة خارج الجزيرة، وهذه الخطوة فتحت قنوات اتصال بين المسلمين والعالم الخارجي، فبعد الهجرة النبوية، أصبح مبدأ "الهجرة" وسيلة لنشر الإسلام، حيث كان الصحابة ينتقلون إلى مناطق جديدة لنشر الدين (مثل هجرة بعض الصحابة إلى الحبشة قبل المدينة)، مما سهل انتشار الإسلام لاحقاً من خلال التجارة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كما حدث انتشار الإسلام سريعاً في مصر والشام بسبب القوة السياسية والعسكرية التي اكتسبها المسلمون بعد الهجرة، ولأنهم رأوا عدل المسلمين في الأرض مقارنة بغيرهم من الديانات الأخرى.



آثار الهجرة النبوية في بناء الحضارة الإسلامية

الهجرة النبوية الشريفة لم تكن مجرد هروب من الاضطهاد، بل كانت استراتيجية نقلت الإسلام من الدعوة المحلية إلى العالمية عبر تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، أسس النبي صلى الله عليه وسلم أول مجتمع إسلامي متكامل في المدينة بعد الهجرة حيث وضع أول دستوراً مدنياً ينظم العلاقات بين المسلمين واليهود والقبائل الأخرى، كما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين (الذين هاجروا من مكة) والأنصار سكان المدينة (أهل يثرب) الذين استقبلوهم، كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، الذي عرض عليه نصف ماله وزوجاته! (فرفع عبد الرحمن شكره وطلب السوق ليكسب بنفسه)، مما عزز التكافل الاجتماعي ونشر قيم التعاون والعدل، وهذا التآخي ساهم في تقوية المجتمع الإسلامي وجعله نموذجًا جاذبًا للداخلين الجدد في الإسلام، واستنادا لما تقدم أصبحت يثرب المتفرقة هي المدينة المنورة الموحدة ومركزاً للدعوة الإسلامية ونشر تعاليم الإسلام بشكل منظم خارج الجزيرة العربية.



من كان دليل النبي محمد ﷺ وأبي بكر الصديق رضي الله عنه أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة؟

هو عبدالله بن أريقط بن عبد العزيز الديلي (أو ابن أُرَيْقِط)، وكان مشهورًا بمهارته في معرفة الطرق والصحراء، من قبيلة بني الديل (حلفاء قريش)، وكان مشركًا وقت الهجرة، لكنه اشتهر بالأمانة والاحتراف في دلالة القوافل.



متى نزلت هذه الآية: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"؟

وقت نزول الآية: لم يكن في الغار كما يعتقد البعض، وإنما نزلت في غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة النبوية الشريفة، وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، والآية من سورة التوبة (أو براءة) وهي من السور المدنية، أي نزلت بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وتتحدث عن حادثة الهجرة النبوية (سنة ١ هـ) كذكرى وتذكير للمسلمين بنصرة الله للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن نزول الآية نفسه كان خلال أحداث غزوة تبوك.



سبب نزول الآية الكريمة

السبب المباشر للنزول:

ذُكر أن الآية نزلت لتثبيت المؤمنين وتذكيرهم بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار أثناء الهجرة، وذلك عندما تخلّف بعض المنافقين عن الخروج لغزوة تبوك، للتأكيد على أن النصر من الله تعالى، ولأهمية الثقة بالله في أصعب الظروف، وذكر فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي لم يتخلى عن صاحبه لحظة واحدة 



الهجرة بداية التقويم الهجري

قبل اعتماد التقويم الهجري، كان المسلمون يؤرخون بالأحداث الكبرى (مثل: عام الفيل، حرب الفجار)، مما سبب اضطرابًا في التوثيق، كما أن سيدنا عمر بن الخطاب رفض استخدام تقويم كسرى (الفارسي) أو قيصر (الروماني)، ليؤكد أن للأمة الإسلامية تاريخها الخاص، لذا اتخذ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدث الهجرة النبوية كبداية للتقويم الهجري بعد مشورة الصحابة، وذلك لأن الهجرة كانت الحد الفاصل بين مرحلتي الدعوة المكية والمدنية، وتميزت بانتقال المسلمين من مرحلة الاضطهاد إلى مرحلة التمكين وبناء الدولة الإسلامية. لم تكن الهجرة مجرد انتقال جغرافي، بل كانت نقلة حضارية من مرحلة الدعوة في مكة إلى مرحلة الدولة في المدينة، فعندما أراد عمر وضع تاريخ موحد للمسلمين (عام ١٧هـ)، استشار الصحابة.

 اقترح الصحابة الكرام: يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، رفض لأنه ليس له تأثير عملي على الأمة، ثم اقترحوا يوم بعثته صلى الله عليه وسلم ورفض لأنها كانت سرية في بدايتها، فاقترحوا يوم وفاته فرفض لما فيه من حزن وألم، وعندما وقع الاختيار على يوم هجرته صلى الله عليه وسلم، وافقوا عليها لأنها بداية عزة للمسلمين وانطلاق الدعوة المحمدية إلى العالمية، وانتقلت الأمة الإسلامية من مرحلة الضعف إلى القوة، وبذلك جعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الهجرة أساساً زمنيا للهوية الإسلامية، مستقبلا عن التقويم الروماني أو الفارسي.



وبهذا نصل إلى ختام رحلتنا مع ذكرى الهجرة النبوية المباركة، ذلك الحدث الطيب العظيم الذي غير مسار التاريخ الإنساني وأسس لأعظم حضارة عرفها العالم، وهي الحضارة الإسلامية.

لقد علمتنا الهجرة أن التغيير الحقيقي يبدأ بالهجرة الداخلية: هجرة النفس من الرذائل إلى الفضائل، ومن الجهل إلى العلم، ومن الفرقة إلى الوحدة، كما أكدت أن النصر مع الصبر، وأن العزيمة القوية تقهر كل الصعاب، فليكن عامنا الهجري الجديد فرصة للتجديد والانطلاق نحو الإيمان الراسخ، والعمل الصالح، والبناء الحضاري، والوحدة التي لا تفرقها الحدود، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد صلاة أهل السموات والأراضين عليه واجري يا رب لطفك الخفي على جميع أمورنا.

إقرأ أيضا قصة ميلاد الرسول ﷺ وتعرف على أوصافه الشريفة وكأنك تراه من خلال الرابط التالي 👇 

قصة ميلاد الرسول ﷺ



ليست هناك تعليقات

عزيزي الزائر .... إذا أعجبك الموضوع لا تبخل علينا بمشاركته عبر أزرار المشاركة الموجودة بالأسفل، ولا تنس أن تترك لنا تعليقا لتبين لنا انطباعك عن الموضوع ومدى استفادتك منه.