قصة مولد الرسول ﷺ
إحياء ذكرى
المولد النبوي الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ثم أما بعد: سنتناول في هذا المقال الحديث عن مولد النبي ﷺ، مولد الهدى و مؤسس الدولة الإسلامية، و لماذا سمي يوم مولده بعام الفيل؟ و من الذي تولى تربيته ﷺ، و ما هي مظاهر الإحتفال بالمولد و لماذا يحتفل العالم الإسلامي بذكرى ميلاد الرسول ﷺ، و هل يجب صيام يوم المولد النبوي الشريف؟ و ما هي الدروس المستفادة من سيرته النبوية الشريفة.
قصةالمولد النبوي الشريف
نشأة النبي محمد ﷺ: رحلة من اليتم إلى النبوة
في فترة من فترات التاريخ الغابرة، و على ثرى البقعة المباركة التي اختارها الله لتكون مثابة للناس و أمنا، و في ظل أجواء مليئة بالجهل و الظلم، و تحكـم الغني بالفقير، و سيطرة القوي على الضعيف، وسط هذه الأجواء الملبدة بغيوم الجهل و الشرك و الوثنية، كانت الولادة المرتقبة، حيث انتبهت مكة على إيقاع صوت الحق ينطلق من بين أزقتها ليطيح بالظلم و الطغيان و لتضع الأمور في نصابها، و تعيد للإنسانية كرامتها و ترتفع بالبشرية من حياة الذل و الضياع متطلعة بها إلى حياة العزة و المجد، إنه مولد النبي ﷺ، مؤسس الحضارة الإسلامية و معلمها و قائدها.
ما هي المعجزات التي سبقت مولد النبي محمد ﷺ؟
من المعجزات التي سبقت مولد النبي ﷺ و التي تُعتبر علامات على قرب مجيء نبي آخر الزمان و أبرزها:
حادثة الفيل (عام الفيل)
الحدث: حاول أبرهة الأشرم حاكم اليمن هدم الكعبة باستخدام الفيلة، لكن الله أرسل عليهم طيوراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فدمّرتهم.الدليل: ذُكر في القرآن الكريم
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) سورة الفيل: ١).
الدلالة: حدثت هذه المعجزة في العام الذي وُلد فيه النبي ﷺ (حوالي ٥٧١م)، و كانت تحذيراً للمشركين من التعدي على بيت الله.
خمود نار فارس
الحدث: انطفأت النار المقدسة التي كان يعبدها المجوس في فارس (إيران) فجأةً ليلة مولد النبي ﷺ، رغم أنها كانت مشتعلة دون انقطاع منذ قرون.
انهيار الأصنام في الكعبة
الحدث: سقطت الأصنام الموجودة حول الكعبة على وجوهها ليلة مولد النبي ﷺ، كما رُوي أن صوتاً جاء منها يقول: "جاء الحق و زهق الباطل".
الرؤى والتنبؤات
رؤية أم النبي ﷺ السيدة آمنة بنت وهب أنها رأت في المنام نوراً خرج منها أضاء قصور الشام.
تنبؤات الأحبار والرهبان
مثل بحيرى الراهب الذي أخبر بحتمية بعثة نبي آخر الزمان، وقصص أخرى عن يهود المدينة الذين كانوا ينتظرون "النبي الأمي" ﷺ.
ميلاد النبي ﷺ
تاريخ ميلاد النبي ﷺ: ١٢ ربيع الأول عام الفيل (٥٧١ ميلادي).
النسب الشريف: نسبه من بني هاشم بقريش، و ينتهي إلى سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهما السلام. أبوه: عبد الله بن عبد المطلب (توفي قبل ولادته). أمه: السيدة آمنة بنت وهب، توفيت وعمره ٦ سنوات، و كفله جده عبد المطلب بعد وفاة والدته، و بعد موت جده كفله عمه أبو طالب. قال ﷺ «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ» (رواه مسلم).
لماذا سمي عام مولد النبي ﷺ بعام الفيل؟
كان العرب يؤرخون بالأحداث الكبرى، فصار "عام الفيل" مرجعًا زمنيًا قبل ظهور التقويم الهجري، و القصة مذكورة في القرآن الكريم (سورة الفيل) و المصادر التاريخية مثل كتب السيرة النبوية، و هناك إجماع بين المؤرخين على ارتباط التسمية بحملة جيش أبرهة الحبشي حاكم اليمن لمهاجمة مكة و هدم الكعبة باستخدام الفيلة قبل مولد النبي محمد ﷺ، و هو حدث تاريخي مهم في الثقافة الإسلامية و العربية، وبعض المصادر تشير إلى أن النبي ﷺ وُلد بعد ٥٠ يومًا من الحدث.
قصة أبرهة والفيل وهدم الكعبة
مراحل نشأة النبي ﷺ
مرحلة الرضاعة:
أرضعته حليمة السعدية في بني سعد (عُرف ببركة وجوده في بيتها).
مرحلة اليتم:
ماتت أمه و هو في السادسة، فكفله جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب. عاش يتيمًا لكن الله حفظه، فقال تعالى: «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى» (الضحى: ٦).
مرحلة الشباب و العمل و الزواج:
عمل راعيًا للغنم ثم في التجارة، حيث عُرِف بالصدق والأمانة حتى لُقِّب بـ "الصادق الأمين"، وتزوج من السيدة خديجة رضي الله عنها و عمره ٢٥ عاما، و كانت شريكة حياته و داعمة له حتى وفاتها.
مرحلة التكليف:
اشتهر النبي ﷺ بالحلم والعدل، فلم يسجد لصنم قط، و لم يشرب خمرًا، مما أهّله لحمل الرسالة، ففي برهة من الزمن غيَّر صلى الله عليه وسلم العالم كله، و شهد له العدو قبل الصديق، و الكافر قبل المسلم بصدقه و أمانته و حلمه و أخلاقه العظيمة، فقد ألف القلوب، و نشر الرحمة، و حل السخاء، و عم الرخاء.
وصف النبي ﷺ وكأنك تراه
وأجمل منك لم تر قط عينى.. وأحسن منك لم تلد النساء.. خُلِقتَ مبرءًا من كلِّ عيبٍ ... كأنك قد خُلِقتَ كما تشاءُ.
وصف النبي ﷺ و كأنك تراه بالأدلة
وصف وَجْهُه الشَّرِيفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَدْ أخرج الشَّيْخَانِ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنهُمْ خُلُقًا"، وَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه: "مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ]، وَ عند مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: "أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَ كَانَ مُسْتَدِيرًا". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ - وَ الْخَدُّ الْأَسِيلُ هُوَ مَا فِيهِ اسْتِطَالَةٌ غَيْرُ مُرْتَفِعِ الْوَجْنَةِ".
وَ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَ كُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ". وَ قَالَتْ عَائِشَةُ: "كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِذَا سُرَّ تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْ قَمَرٍ".
وصف عينُهُ الشريفةُ صلى الله عليه وآله وسلم
فكان "أشْكَلُ الْعَيْنِين" أي: طويل أشفار العينين، بأنه طويل شق العينين، روي: "أنه كانت في عينيه شكلة"، ويروى أيضًا: "أنه كان أشجر العينين"، الشكلة: كهيئة الحمرة في بياض العين، و أما الشهلة فحمرة في سوادها، و الشجرة في قوله أشجر العينين كالشكلة معنى. و يدل على ذلك ما رُوِيَ عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم العينين، هَدِب الأشفار، مشرب العينين بحمرة.فمعنى قوله: مشرب العين بحمرة. أي: عروق حمر رقاق. و هي من علاماته صلى الله عليه و سلم التي في الكتب السالفة. و قال مقاتل بن حيان رضي الله عنه: أوحى الله إلى عيسى بن مريم: جدَّ في أمري و لا تهزل.. إلى أن قال: صدِّقوا النبي العربي الأنجل العينين، و معنى الأنجل: ذو عينين واسعتين صلى الله عليه وسلم [أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ].
وَصف بَصَرُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: {مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ} [النجم: ١٧]، وَ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- وَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَان يُرَى بِاللَّيْلِ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يُرَى بِالنَّهَارِ فِي الضَّوْءِ.
وَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَ لَا سُجُودُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَصف سَمْعُ النبي ﷺ الشَّرِيفُ
فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَ حُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى» [رواه الترمذي].وَصف جَبِينُهُ الْكَرِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فعن عَلِيٍّ، قَالَ: "مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ، صَلْتُ الْجَبِينِ" أَيْ وَاضِحُهُ، وَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجَبْهَةِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ"، وَ قَالَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ: "أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ"، وَ فُسِّرَ بِالْمُقَوَّسِ الطَّوِيلِ الْوَافِرِ الشَّعَرِ، ثُمَّ قَالَ: سَوَابغ مِنْ غَيْرِ قرْنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ [شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ص٢٧٨].وَصف فَمُهُ الشريفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَعَنْ جَابِرٍ : "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ضَلِيعَ الْفَمِ"، وَ قَالَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ: يَفْتَحُ الْكَلَامَ وَ يَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ"؛ يَعْنِي لِسَعَةِ فَمِهِ، وَ الْعَرَبُ تَمْدَحُ بِهِ وَ تَذُمُّ بِصِغَرِ الْفَمِ، وَ وَصَفَهُ ابْنُ أَبِي هَالَةَ فَقَالَ أيضًا: "أَشْنَبَ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ، وَالشَّنَبُ رَوْنَقُ الْأَسْنَانِ وَ مَاؤُهَا"، وَ مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ أَيْ مُتَفَرِّقُهَا، وَقَالَ عَلِيٌّ: "مُبَلَّجُ الثَّنَايَا"، وَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: "بَرَّاقُ الثَّنَايَا" [الشمائل المحمدية للترمذي].وصف ريقُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ»، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، قَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟» قَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ»، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، وَ مَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِئرٍ، فَفَاحَ مِنْهَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ، وَ بَصَقَ فِي بِئرٍ فِي دَارِ أنسٍ، فَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ بِئْرٌ أَعْذَبَ مِنْهَا. [رواه مسلم].
وصف فصاحةُ لسانه النبي ﷺ
فَكَانَ أَفْصَحَ خَلْقِ اللَّهِ، وَ أَعَذَّبهُمْ كَلَامًا، حَتَّى كَأَنَّ كَلَامَهُ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ، وَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ، وَ كَانَ يَقُولُ: «أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ، و أنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [رواه البخاري].وصف صوتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ، وَ قَدْ كَانَ صَوْتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ يَبْلُغُ حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ صَوْتُ غَيْرُهُ" [الشمائل المحمدية].وصف ضحِكُهُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ" وَ اللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ، وَ هِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بِأَعْلَى الْحَنْجَرَةِ مِنْ أَقْصَى الْفَمِ [رواه البخاري ومسلم].وصف طُولُ النبي ﷺ
فَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَا قَصِيرٌ وَ لَا طَوِيلٌ، وَ هُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ" [رواه الْبَيْهَقِيُّ]، وَ وَصَفَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَ لَا بِالْقَصِيرِ، وَ الْمُرَادُ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ: الْمُفْرِطُ فِي الطُّولِ مَعَ اضْطِرَابِ الْقَامَةِ.وَصف لَوْنُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَدْ وَصَفَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ بِالْبَيَاضِ، فَمِنْ عِبَارَاتِهِمْ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا، كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ، مَا أَنْسَى شِدَّةَ بَيَاضِ وَجْهِهِ مَعَ شِدَّةِ سَوَادِ شَعْرِهِ.
وصف طِيبُ رِيحِهِ وَعَرَقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَدْ كَانَتِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ صِفَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ إِنْ لَمْ يَمَسَّ طِيبًا، قَالَ أَنَسٌ – رضي الله عنه – قال: "مَا شَممْتُ رِيحًا قَطُّ وَ لَا مِسْكًا وَ لَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رواه أَحْمَدُ]، وَعَنْه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِذَا مَرَّ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَجَدُوا مِنْهُ رَائِحَةَ الطَّيِّبِ، وَ قَالُوا: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ" [رواه أبُو يَعْلَى، وَغَيْرُهُ]. فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحبيب الذي سجدت له الأكوان قبل أن يُخلق الطين، سيدنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل جمالٍ في الدنيا هو ظلٌ من حسنه، وكل رحمةٍ هي قطرة من بحره، وكل نبيٍّ قبله كان ينهل من نوره، ويستمد من وهجه، فهو التمام الذي لا يُزاد عليه، والكمال الذي لا يُدرك، إذا ذُكر اسْتَيقظت الأرواح من غفلتها، وإذا ذُكرت سيرته، بكت القلوب قبل العيون، لأنه ليس مجرد نبي، بل هو الرحمة التي تمشي على الأرض، هو الذي اصطفاه الله حبيبًا، وجعل في وجهه نورًا، وفي صوته شفاءً، وفي قلبه حبًّا لا ينتهي، فمدحه لا يُحد، وفضله لا يُحاط، ومن أحبّه، أحبّه الله، ومن بكى شوقًا إليه، سقاه الله من حوضه يوم لا ظل إلا ظله.
ما هو الهدف من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
يعتبر الإحتفال بالمولد النبوي الشريف فرصة لزيادة الأعمال الصالحة مثل قيام الليل و الذكر و التسبيح و الاستغفار، و الاحتفال بالمولد النبوي هو بمثابة تجديد الإيمان و العهد على السير على نهجه و الاقتداء بسنته في أقواله و أفعاله و أخلاقه، و استلهام الدروس و العبر من حياته ﷺ.
ما هي مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
و تتنوع مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث تُقام مجالس الذكر، و التي تتضمن قراءة القرآن الكريم، و تُلقى الأناشيد و القصائد الدينية في مدح النبي، حيث يكثر المسلمون من الصلاة على النبي ﷺ، في هذا اليوم فهي من أعظم القربات، و تقديم الصدقات، و إطعام الطعام للفقراء و المحتاجين في هذا اليوم الطيب المبارك، و إقامة المسابقات الدينية للأطفال و الشباب لتعزيز معرفتهم بسيرته العطرة و التمسك بها، كما يتبادل المحبون التهاني و التبريكات، إنها فرصة للتعبير عن المحبة و الفرح و السرور و الولاء للنبي الكريم، و الإحتفال بذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد فيه أدنى شبهة حرام او انحراف أو ضلال إذا كنا نحتفل لتذكير أنفسنا بسيرته المباركة، و شخصيته العظيمة، و رسالته الخاتمة الخالدة التي أرسلها الله رحمة للعالمين، "وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
هل يجب صيام يوم المولد النبوي ﷺ؟
هذا اليوم هو من أعظم الأيام التي أنعم الله فيها على البشرية، إذ شهد ميلاد خير الأنام وخاتم الأنبياء و المرسلين، و الصيام فيه يُعد قُربة عظيمة لمن استطاع، كما أن الفرح بمولد النبي ﷺ يفوق فرح المؤمن بأي مناسبة أخرى، فهو أصل من أصول الإيمان، و أن النبي نفسه كان يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع لأنه يوم وُلد فيه، كما ورد في الحديث الشريف، و هو ما يُعد تأسيًا به.
الرسول ﷺ القدوة الصالحة
مبادئ الإسلام تحظى بالقبول حينما يمتثلها الداعي قبل المدعويين، و هكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم، صورةً حيةً لتعاليم الإسلام السامية في كل شيء، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أعظم قدوة في تاريخ البشرية كلها، و لقد تحركت نفوس الناس بقدر وسعها نحو التطبيق و العمل، يقتبسون من نوره و يتعلمون من آدابه، و لقد شهد الله سبحانه و تعالى له بالأخلاق العظيمة في كل الأمور في حياته ﷺ، قال الله تعالى:"وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"(القلم: ٤)، من أجل ذلك ارتضاه الله سبحانه و تعالى للبشرية كلها بأنه القدوة الحسنة، و الأسوة الطيبة في كل ما يصدر عنه من أقوالٍ و أفعال.
"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَ الْيَوْمَ الآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " (الأحزاب: ٢١).
و هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ﷺ، في أقواله و أفعاله و أحواله، و لهذا أمر الله تبارك و تعالى الناس بالتأسي به ﷺ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا أمرَ بشيءٍ أو نادى به فعله أولاً قبل الناس، ليتأسوا به و يعملوا كما عمل، و في السيرة النبوية شواهد على ذلك كثيرة منها موقفه في بناء المسجد، حيث كان يشارك الصحابة في الحفر و نقل مخلفات الحفر و رفع البناء، كما شاركهم ﷺ في حفر الخندق حول المدينة، عندما سمع بقدوم الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة، و كان له قسم مثلهم يباشر الحفر معهم بيده، ويحمل التراب على كتفه، و إذا استعصت عليهم مشكلة سارعوا إليه ﷺ يلتمسون منه حلاًّ لها بمعوله، فكان هذا كله دافعًا للصحابة على العمل، ومقويًّا لهممهم و عزائمهم، فلم يكسلوا أو يتوانوا حيث يرون قائدهم و رسولهم معهم في خندقٍ واحد، يعمل كما يعملون، و يأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، و ينام على مثل ما ينامون، و ما زادهم ذلك إلا إيمانًا و تسليمًا رضي الله عنهم أجمعين.
و قد أرشد النبي ﷺ صحابته إلى أن يقتدوا به في أقواله و أفعاله، ولا سيما في العبادات، فلم يُعِدّ مجلسا لشرح أركان الصلاة وسننها و مبطلاتها كما نفعل الآن، و إنما قال: ” صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ” (رواه البخاري)، و في الحج قال”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ” (رواه مسلم و النسائي).
و لما علم الرسول ﷺ شدة اقتداء الصحابة به و خاصة في مناسك الحج خشي عليهم الازدحام و التقاتل في أداء المناسك فرفع عنهم الحرج؛ فعن جابر، قال: ثم قال النبي ﷺ:” قد نحرت هاهنا، و منى كلها منحر، و وقف بعرفة، فقال: قد وقفت هاهنا، و عرفة كلها موقف، و وقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت هاهنا، و المزدلفة كلها موقف” ( أبوداود )؛ تصورت هذا المشهد من ازدحام الناس عند جبل الرحمة في أرض عرفات وقلت: لو قال النبي ﷺ: وقفت ها هنا و هذا هو الموقف!! ونحرت ها هنا و هذا هو المنحر!! لتقاتل الناس و هلك الكثير، و لكنه ﷺ كان رحيما بأمته.
و في الصيام اتبعوه ﷺ، في الوصال فنهاهم رحمة و رأفة بهم وشفقة عليهم، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ” (البخاري).
عباد الله: ما أحوجنا أن نرجع من جديد إلى رسول الله ﷺ، لنسير على دربه ونردد مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" [البقرة:٢٨٥]. فإذا اختفت الأم الواعية، و اختفى المعلم و الأب المخلص، و سقطت القدوة فمن يربي النشء على القيم؟! إن القدوة علم و عمل فيجب على العالِم أو المربي أن يعمل بما يعلم أو يقول، حتى تؤتي القدوة ثمارها، وإلا كانت هباءً منثوراً لا وزن لها ولا تأثير، نحن جميعا بحاجة إلى ولادة من جديد، وتغيير ما بي أنفسنا من عقائد فاسدة، وقلوب حاسدة، و أطماع حاقدة، وأمراض اجتماعية موجعة، وحوادث مفجعة، و وجوه عابسة، و صدق الله حيث يقول: " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ" ( الرعد: ١١).
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ، وَ صَلِّ وَ سَلِّمْ وَ بَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى كُلِّ مَلَكٍ وَ وَلِيٍّ، وَ صَلِّ وَ سَلِّمْ وَ بَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَ تَقِيّ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَ سَلِّمْ وَ بَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي مَا نَطَقَ عَنِ الْهَوَى، وَ صَلِّ وَ سَلِّمْ وَ بَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي مَا ضَلَّ عَنِ الْحَقِّ وَ مَا غَوَى، اللهم صل وسلم و بارك على سيدنا محمد العالي القدر العظيم الجاه، و صل وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد و أطلعنا على أسرار لا إله إلا الله.
إقرأ أيضا الهجرة النبوية الشريفة وتعرف على سبب هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة ولماذا اختار النبي ﷺ سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه صاحبا له في رحلة الهجرة والدروس المستفادة، وتعرف على الدور البطولي التي قامت به السيدة أسماء بنت أبي بكر وشجاعتها، وكيف كانت الهجرة من أسباب انتشار الإسلام في الجزيرة العربية وخارجها من خلال الرابط التالي 👇


ليست هناك تعليقات
عزيزي الزائر .... إذا أعجبك الموضوع لا تبخل علينا بمشاركته عبر أزرار المشاركة الموجودة بالأسفل، ولا تنس أن تترك لنا تعليقا لتبين لنا انطباعك عن الموضوع ومدى استفادتك منه.