احدث المواضيع

آخر الأخبار

هل الإنسان مسير أم مخير؟

 دلائل التسيير والتخيير

في حياة الإنسان


هل الإنسان عندما يتزوج يكون مسير أم مخير؟


بسم الله الرحمن الرحيم 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: مسائل العلاقة بين الإنسان وربه كثيرة، ولكن أهمها وأكثرها تعرضا للجدل والنقاش، مسألة التسيير والتخيير في حياة الإنسان، وهي ذات ارتباط وثيق بعقيدة القضاء والقدر وهو ما سنوضحه في مقالنا هذا، اسأل الله التوفيق والقبول وعلى بركته نبدأ.



الجبر والإختيار في الإسلام

هل الإنسان مخير أم مسير؟

الإنسان في الإسلام ليس مسيّرًا بالكامل ولا مخيرًا بالكامل، بل هو مزيج من الأمرين، فهو مُخَيَّر فيما يتعلق باختياراته وأعماله التي يُسأل عنها ويتحاسب عليها، مثل الإيمان والكفر والأعمال الصالحة أو السيئة، وفي المقابل، هو مُسَيَّر فيما يتعلق بأمور أخرى لا يملك فيها اختيارًا، وهي كثيرة، مثل بعض الأحداث القسرية، كما أن علاقة الإنسان بظروفه لا تزيد على كونها احتمالاً أو ترجيحاً، فالإبن الذي ينشأ في عائلة محافظة محتمل أن ينشأ محافِظاً هو الآخر، مجرد احتمال، وكثيراً ما يحدث العكس، فنرى هذا الإبن وقد انقلب متمرداً ثائراً على التقاليد، محطماً لها، والبيئة تشكل الإنسان، ولكن الإنسان أيضاً يشكل البيئة، وحواجز البيئة وضغوط الظروف لا تقوم دليلاً على عدم الحرية بل هي على العكس دليل على وجود هذه الحرية، فلا معنى للحرية في عالم بلا عقبات، وفي مثل هذا العالَم الذي بلا عقبات لا يُسمَى الإنسان حراً، إذ لا توجد لرغباته مقاومات يشعر بحريته من خلال التغلب عليها، والحرية لا تعبر عن نفسها إلا من خلال العقبات التي تتغلب عليها، ولهذا كانت الضغوط والعوائق والعقبات من أدلة الحرية وليس العكس.



وهذا هو الإنسان الذي وُلِد طفلاً تحكمه أسرته وبيئته ومقتضيات اسمه وتقاليده، ها هو ذا يهاجر ويغير اسمه وبيئته وأسرته وينتقل إلى مجتمع جديد، فيصنع انقلاباً في هذا المجتمع الجديد ويغيره من أساسه، وها هو ذا يموت فيترك كتابا فإذا بالكتاب يغير التاريخ.



إذن كيف يكون الإنسان مخيراً وهو محكوم عليه بالميلاد والموت والإسم والأسرة والبيئة، ولا حول له ولا قوة، ولا اختيار له في هذه الأشياء التي تشكل شخصيته وتصرفاته!


صحيح أن الإنسان قليل الحيلة في الطريقة التي يولد بها وفي الطريقة التي يموت بها .. ولكنه بين ميلاده وموته يصنع حضارة، الله سبحانه وتعالى أعطاه القدرة على أن يبني ويهدم ويُحرر ويتحَرَر ويفكر ويبتكر ويخترع ويثفجِّر ويُعَمِّر ويثدمِّر .. وسلمه مقاليد الخير والشر وحرية الاختيار .


وبنظرة سريعة في المجتمع العصري حولنا سوف ترينا كيف أخضع الإنسان مشاكل الحر والبرد والمسافات بعقله وعلمه، واستطاع أن يسودها .. فهو يكيف الهواء بالمكيفات، وهو يهزم المسافات بالمواصلات السريعة والبرق والهاتف، فالإنسان ليس كتلة هلامية سلبية تشكلها حتميات البيئة، ولكنه إرادة صلبة في ذاتها لها حريتها في توجيه الأحداث.




متى يكون الإنسان مسير ومتى يكون مخير؟

الإنسان مُسَيَّر في أمور قدرية

توجد أمور طبيعية كثيرة تحدث للإنسان خارجة عن إرادته واختياره، مثل الجاذبية والنمو والسقوط غير المتعمد، والتثاؤب والنعاس الذي يغالبه، والنوم الذي يهيمن عليه، واليقظة التي تدركه، وسائر المشاعر الانفعالية التي تساوره من جوع وظمأ، وحب وكراهية، وخوف وقلق، وكآبة وفرح، أو الحركات أو الحالات التي لا يملك الإنسان بشأنها أي قصد أو اختيار كوظائف الأعضاء مثل: حركة ارتعاش اليدين بسبب المرض، فكل ما يحدث داخل الجسد بشكل لا إرادي كعمل القلب والرئتين والجهاز الهضمي، هو مسير فيه ولا اختيار له فيه.



والإنسان مُيسَّر لأداء ما خُلِق له، سواء كان ذلك من أهل السعادة أو الشقاوة، وهذا لا ينفي اختياره. كما أن القضاء والقدر ليس معناه أن الله يجبر العبد على أفعاله، بل هو علم الله المسبق بما سيقوم به العبد من اختيارات وأفعال، والقضاء ليس أكثر من علم الله بما سيجري مستقبلا في كونه، من تصرفات العبد الاختيارية قبل أن يكون، وأما القدر فليس أكثر من وقوع الأشياء المطابقة لعلم الله. إذن المعصية أو الطاعة التي صدرت من المخلوق إنما صدرت بإرادة الخالق سبحانه وتعالى والذي لا يقع في ملكوته إلا ما يريد.




الإنسان مُخَيَّر في حدود إرادته واختياره

بفضل العقل والإرادة أعطاه الله عقلًا ومشيئة واختيارًا، ومنحه القدرة على اتخاذ القرارات الحياتية، والإرادة هي قرار العقل بفعل أو تصرف ما سواء كان هذا القرار مرغوبا فيه أو مذموما،  ولا نعني بالإرادة الرضا التام عن التصرف واتيان الفعل، فالإرادة كما بينا هي قرار العقل بفعل الشيئ مرغوبا كان أو غير ذلك بقطع النظر عن الرضا، أما الرضا فهو حب الشيئ والرغبة فيه، ومن هذين التعريفين لكل من الإرادة والرضا يتبين لنا أنه لا يوجد تلازم بينهما، فقد يكون الشيئ مراد وهو غير مرضي عنه، وقد يكون الشيئ مرضيا عنه وهو غير مراد، وقد يكون مراد ومرضيا عنه في وقت واحد، مثل اختيار طريق الخير أو الشر، وبناءً على هذه الإرادة، فهو مسؤول عن أفعاله ويُحاسَب عليها في الدنيا والآخرة، فهو يختار أن يقوم بالصلاة على أوقاتها أو يؤخرها أو يتركها، وأن يطيع الله أو يعصيه، كما أن له حرية اختيار الطعام والشراب والسفر والترحال من مكان لآخر.



ما الدليل على أن الإنسان مخير؟

والدليل من القرآن على أن الإنسان مخير في حدود إرادته قوله تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ. وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (التكوير) وهذه الآية الكريمة تشير إلى أن للإنسان مشيئة واختيارًا، لكنها تظل خاضعة لمشيئة الله.


"فأما من أعطَى واتقى وصدقَ بالحُسنَى فسنيسره لليسرَى . وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحُسنَى فسنيسره للعسرَى" سورة الليل.  "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" سورة الكهف. وفي إمكان الواحد منا أن يبلغ ذروة الحرية بأن تكون إرادته هي إرادة الله واختياره هو اختيار الله وعمله هو أمر الله وشريعته، بأن يكون العبد الرباني الذي حياته هي طاعة الله الواحد الأحد، فيَعبُد الله حباً واختياراً لا تكليفاً، فيكون الحر الذي يقول عنه الله: "عبدي أطِعني أجعلك ربانيَّاً تقول للشيء كُن فيكون"

الجبر والإختيار في حياة الإنسان


إن الإنسان حر مطلَق الحرية في منطقة ضميره، في منطقة السريرة والنيّة .. فأنت تستطيع أن تجبر خادمك على أن يهتف باسمك أو يقبِّل يدك، ولكنك لا تستطيع أن تجبره على أن يحبك، فمنطقة الحب والكراهية وهي منطقة السريرة منطقة حرة حررها الله من كل القيود ورفَع عنها الحصار ووضع جنده خارجها.


لا يدخل الشيطان قلبك إلا إذا دعوته أنت وفتحت له الباب، وقد أراد الله هذه النية حرة لأنها مناط المسئولية والمحاسَبة، ليُخرِج كل مِنا ما يكتمه ويفصِح عن سريرته ونيته ويتلبس بفعله، وبهذا لا يكون التسيير الإلهي نافياً أو مناقِضاً للتخيير، فالله يستدرج الإنسان بالأسباب حتى يُخرِج ما يكتمه ويفصح عن نيته ودخيلته ويتلبس باختياره.



الله سبحانه وتعالى بإرادته يفضح إرادتنا واختيارنا ويكشفنا أمام أنفسنا، ومن ثَمَ يكون الإنسان في كتاب الله مخيراً مسيراً في ذات الوقت دون تناقض، فالله يريد لنا ويقدر لنا حتى نكتب على أنفسنا ما نريده لأنفسنا وما نخفيه في قلوبنا وما نختاره في أعمق الأعماق دون جبر أو إكراه، وإنما استدراجاً من خلال الأسباب والظروف والملابسات .



هل الإنسان مخير في الزواج؟

الإنسان مخيّر في الزواج في إطار اختياراته، حيث أن له حرية الاختيار في الزواج من شخص لآخر بناءً على معايير الدين والخلق، وهو محاسب على هذا الاختيار، بينما يظل الزواج في جوهره "نصيب" أو قدر مقدر من الله. 


فالفرد حر في اتخاذ قرار الزواج واختيار الشريك، لكن نتيجة هذا الاختيار تقع ضمن القضاء والقدر الإلهي، ويجب أن يُحسن الإنسان اختياراته ويستخير ويستشير، لأن الله هو متمم الأمور ومقدرها، كما يعتبر الزواج رزقاً ونصيباً مقدراً في اللوح المحفوظ، لكن هذا لا يلغي دور الإنسان في الاختيار.



ليست هناك تعليقات

عزيزي الزائر .... إذا أعجبك الموضوع لا تبخل علينا بمشاركته عبر أزرار المشاركة الموجودة بالأسفل، ولا تنس أن تترك لنا تعليقا لتبين لنا انطباعك عن الموضوع ومدى استفادتك منه.